للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومما يناسب هذا قوله تعالى عن مسجد أهل الضرار: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: ١١٠]، هذا قرأه الجماعة، وقرأ يعقوب «إلى أن تقطع» (١)، وعلى هذا فالريبة باقية إلى حين التقطع. وأما قراءة الجمهور فإنه استثنى فقال: {إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ}، فإذا قطعت قلوبهم لم يبقَ ريبةٌ في قلوبهم. وقد قال سفيان وغيره: هو التوبة. وقال كثير من المفسرين (٢): هو التقطع بالموت أو في القبر أو يوم القيامة. وقول هؤلاء يناسب قراءة يعقوب، فإنه لا تزال ريبة إلى حين تقطع القلوب. وأما قراءة الاستثناء فإن كانت توبتهم مقبولة كما قال سفيان وغيره فهي تحتاج إلى تقطع القلوب، تتمزق بالتوبة، فتحتاج إلى مشقة وشدة. وهكذا كثير من ذنوب أهل الاعتقاد والشبهات وأهل الشهوات القوية يحتاج صاحبُها إلى معالجة قلبه ومجاهدة نفسه وهواه. وتوبة الثلاثة قد قال الله فيها: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} [التوبة: ١١٨]، فكيف غيرهم؟ وتوبة أبي لبابة وأصحابه كانت لما ربطوا أنفسَهم في السواري (٣)، وقوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} يدل على أنه


(١) انظر: النشر في القراءات العشر (٢/ ٢٨١).
(٢) انظر: زاد المسير (٣/ ٥٠٣) وتفسير الطبري (١١/ ٧٠١) والقرطبي (٨/ ٢٦٦) وابن كثير (٤/ ١٧١١).
(٣) لأنهم تخلفوا عن غزوة تبوك، وقيل لسبب آخر. انظر: مصنف عبد الرزاق (٥/ ٤٠٥) والاستيعاب (٤/ ١٧٤١) وتفسير ابن كثير (٤/ ١٧٠٢).