للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك إذا رَجاهم فهم لا يعطونه ما يرجوه منهم، فلابدّ أن يُبغِضَهم فيظلمَهم إذا لم يكن خائفًا من الله. وهذا موجود كثيرًا، تجد الناسَ يخاف بعضُهم بعضًا ويرجو بعضُهم بعضًا، وكلٌّ من هؤلاء وهؤلاء يتظلَّم من الآخر ويطلب ظلمه، فهم ظالمون بعضُهم بعضًا، ظالمون في حق الله حيث خافوا غيرَه ورَجَوا غيرَه، ظالمون لأنفسهم، فإن هذا من الذنوب التي تُعذَّب النفسُ عليها، وهو أيضًا يَجُرُّ إلى فعل المعاصي المختصَّة كالشرب والزنا، فإن الإنسان إذا لم يخف من الله اتبعَ هواه، لاسيما إذا كان طالبًا ما لم يحصل له، فإن نفسه تبقى طالبةً لما تستريح به وتدفع به الغمَّ والحُزن، وليس عندها من ذكر الله وعبادته ما تستريح به، فتستريح بالمحرَّمات من فعل الفواحش وشرب المحرَّمات وغير ذلك.

ولا يستغني القلب إلا بعبادة الله تعالى، فإن الإنسان خُلِق محتاجًا إلى جَلْبِ ما ينفعُه ودَفْع ما يَضُرُّه، ونفسُه مريدةٌ دائمًا، ولابُدَّ لها من مرادٍ يكوَن غايةَ مطلوبهَا، فتسكن إليه وتطمئنُّ به، وليس ذلك إلا الله وحدَه لا شريكَ له. فإذا لم تكن مخلصةً له الدينَ عبدتْ غيرَه، فأشركتْ به عبادَةً واستعانَةً، فتعبد غيرَه وتستعين غيرَه. وسعادتُها في أن لا تعبد إلا الله، ولا تستعين إلا الله، فبالعبادة له تستغني عن معبود آخر، وبإعانته تستغني عن مُعينٍ غيرِه، وإلاّ يَبقَى مذنبًا محتاجًا.

وهذا حالُ الإنسان، فإنه محتاج فقير، وهو مع ذلك مذنبٌ خَطَّاء، فلابدّ له من ربِّه الذي يَسُدُّ مَفاقِرَه، ولابُدَّ له من الاستغفار من ذنوبه. قال تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) (١).


(١) سورة محمد: ١٩.