للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا مذهب سائرهم أنهم يصفون الله بما وصف به نفسَه وبما وصفَه به رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يُثبتون له ما أثبتَه لنفسه من الأسماء الحسنى والصفات العُلَي، ويعلمون أنه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فإنه كما أن ذاتَه ليست كالذوات المخلوقة فصفاتُه ليست كالصفات المخلوقة. بل هو سبحانه موصوفٌ بصفات الكمال منزَّهٌ عن كلّ نقصٍ وعيب.

وهو سبحانه في صفات الكمال لا يُماثِله شيء، فهو حيٌّ قيُّومٌ سميعٌ بصير عليم قدير رؤوف رحيم، وهو الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش، وهو الذي كلَّم موسى تكليما، وتجلَّى للجبل فجعلَه دَكًّا. ولا يماثله شيء من الأشياء في شيء من صفاته، فليس كعلمِه علمُ أحد، ولا كقدرته قدرة أحد، ولا كرحمته رحمةُ أحد، ولا كاستوائه استواء أحد، ولا كسمعه وبصره سمعُ أحدٍ ولا بصرُه، ولا كتكليمه تكليمُ أحد، ولا كتجلّيه تجلِّي أحدٍ.

والله سبحانه وتعالى قد أخبرنا أن في الجنة لحمًا ولبنًا وعسلًا وماءً وحريرًا وذهبًا، وقد قال ابن عباس: ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء (١). فإذا كانت المخلوقات الغائبة ليست مثل هذه المخلوقات المشاهَدة مع اتفاقهما في الأسماء، فالخالق أعظمُ علوًّا ومباينةً لخلقه من مباينة المخلوق للمخلوق وإن اتفقت الأسماء.

وقد سمَّى نفسَه حيّا عليمًا سميعًا بصيرًا ملكًا رءوفًا رحيمًا،


(١) أخرجه هنّاد بن السري في "الزهد" (٣، ٨) وغيره، انظر "الدر المنثور" (١/ ٩٦).