للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخلق وأكفرُهم، معتقدين أنهم أعظمُ الخلق علمًا وإيمانًا.

ومن هذا الوجه هم شرٌّ من فرعون؛ فإن فرعون لم يدَّع العلم والإيمان، وإنما أظهر الجحود. وفرعون شرٌّ منهم من وجهٍ آخر؛ من حيث إنه أنكر الربَّ بالكلية، ودفَع وجودَه، ولم يعترف لا بعينه (١) ولا باسمه ولا نعته، وهؤلاء معترفون بوجوده من حيث الجملة، وبأسمائه، لكن الذي يعيِّنونه هو الذي كان فرعونُ يقرُّ بوجوده (٢).

فصاروا هم وفرعون بمنزلة رجلين:

أحدهما أنكر وجودَ النبوَّة.

والآخر اعترف بها، وجعَلها نبوَّة مسيلمة الكذَّاب، أو جعَلها الفِلاحة أو التجارة.

فأتى (٣) ذلك المنكِر يوافقه على وجود جنس مسيلمة الكذَّاب، ووجود الفِلاحة والتجارة، لكن يقول: هذا ليس بنبوَّة (٤). وهو صادقٌ في نفيها عن هؤلاء، كاذبٌ في نفيها مطلقًا.

وأولئك يقولون: بل ثَمَّ نبوَّة، وهي هذه. وهم صادقون في إثباتها، كاذبون في تعيينها، وهم موافقون للأول في إثبات ما يثبته وفي نفي ما ينفيه، لكن


(١) الأصل: "بغيبه". تحريف.
(٢) انظر: "الانتصار لأهل الأثر" (٢٢٦).
(٣) الأصل: "فابي". تحريف.
(٤) كذا في الأصل. والجادة: هذه ليست بنبوة.