للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكتب إليه أبو الدرداء أنْ هَلُمَّ إلى الأرض المُقَدَّسة، فكتب إليه سلمان: إنَّ الأرض لا تُقَدِّس أحدًا؛ وإنما يُقَدِّس الرَّجلَ عَمَله الصالح (١). ومقصوده بذلك أنه قد يكون بالأرض المَفْضولة من يكون عمله صالحًا أو أصلح بما يحبه الله ورسوله.

وهذا مما يبين أن جنْس المُرابَطَة أفضل من جنس المجاورة بالحرمين كما اتفق عليه الأئمة. فإذا كانت نية العبد في هذا خالصة، ونيته في هذا خالصة، ولم يكن ثَمَّ عملٌ مفضل يُفضَّلُ به أحدُهما، فالمرابطة أفضلُ؛ فإنها من جنس الجهاد، وتلك من جنس الحَجِّ، وجنس الجهاد أفضل من جنس الحج.

ولهذا قال أبو هريرة: لأن أُرَابط ليلةً في سبيلِ الله أحبّ إلي من أنْ أقوم ليلة القدر عند الحَجَر الأسود. وفي لفظ رواه سعيد بن منصور في "سننه" (٢) عن عطاء الخراساني عن أبي هريرة قال: "رِبَاطُ يوم في سبيل الله أحب إلي من أن أقومَ ليلة القدر في أحد المسجدين -مسجد الحرام ومسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - - ومَن رابط أربعين يومًا في سبيل الله فقد استكمل الرِّباط".

وقد قال تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩) الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً


(١) أخرجه مالك في "الموطأ" (٢/ ٧٦٩). وفي الأصل: "عمله صالحا".
(٢) ٣: ٢/ ١٩٣. ورواه أيضًا عبد الرزاق في "المصنف" (٥/ ٢٨٠).