للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقولي إنّكِ أُختي، فإنه ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرُكِ.

وقول القائل: إن الله إذا غضِبَ على أحدٍ من أهل الأرض وأراد أن يُنزِل به العذابَ، نظرَ إلى قلوب هؤلاءِ المذكورين، فإن وجدَهم راضين بإنزالِ العذاب على الذي قد استحقّهُ أَنزَلَه، وإن لم يجدهم راضين بذلك رَفَعَه- كذِبٌ مفترى، بل قد أنزلَ الله العذابَ على قوم لوط مع مجادلةِ إبراهيم الخليل عنهم. قال تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (٧٤) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (٧٥) يَاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (٧٦)} (١).

وقال تعالى لمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمَّا استغفر للمنافقين: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} (٢).

ومحمد وإبراهيم أفضلا الخلق، هذا خليل الله، وهذا خليل الله. والخليل إبراهيم استغفرَ لأبيه. ثمَّ لما مات أبو طالب قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لأستغفرنَّ لك مالم أُنْهَ عنك" (٣)، فانزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١١٣)} (٤). فقال بعض المسلمين: إنَّ إبراهيم قد استغفر لأبيه، فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} (٥).


(١) سورة هود: ٧٤ - ٧٥.
(٢) سورة المنافقين: ٦.
(٣) أخرجه البخاري (٤٦٧٥ ومواضع أخرى) ومسلم (٢٤) عن سعيد بن المسيب عن أبيه.
(٤) سورة التوبة: ١١٣.
(٥) سورة التوبة: ١١٤.