للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ثبت (١) أنه يوم القيامة يُراجِعُ الناس الشفاعة، فيأتون إلى آدم ليشفع لهم، فيَرُدُّهم إلى نوح، ويَرُدُّهم نوح إلى إبراهيم، ويردُّهم إبراهيم إلى موسى، ويردُّهم موسى إلى عيسى، ويردُّهم عيسى إلى محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى سائرِ النبيين واَلِ كل وسائرِ الصالحين، فإذا أتوا محمدًا أفضلَ الشفعاءِ وأعظمَ الخلقِ جاهًا عند الله قال: "فآتِي ربي، فإذا رأيتُه خَرَرْتُ له ساجدًا، وأَحمدُ ربي بمحامدَ يَفتحها عليَّ لا أُحسِنُها الآن، فيقال: أيْ محمد، ارفَعْ رأسَك، وقُلْ تُسْمَع، وسَلْ تُعْطَه، واشْفَعْ تُشَفَّعْ". فلا يَشفع حتى يأذَن الله له في الشفاعة، كما قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (٢)، وقال تعالى: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} (٣).

فإذا كان أفضلُ الخلق لا يَشفع في أحدٍ إلاّ بإذنِ الله عزَّ وجلَّ، فكيف يُقال: إنّ الله لا يُعذِّبُ أحدًا إلاّ إذا رضي هؤلاءِ أن يُعذِّبَهم؟ ومعلوم أنّ العبدَ عليه أن يتبعَ رِضا اللهِ عَزَّ وجَلَّ، فيفعلَ ما أَمَر، ويَرضى بما قَدَّر. وأمّا الربّ عزّ وجلّ إذا أرادَ أن يُهلِك أعداءَه هَل يُشاوِرُ أحدًا، أو يتوقفُ فِعلُه على رِضا أحدٍ من عباده؟ بل [على] هؤلاء العباد إن كانوا راضينَ بما أمرهم أن يَرضَوْا به، وإلاّ وَجَبتِ التوبةُ عليهم. إلاّ ترى أن الله تعالى لمَّا أَغْرق أهلَ الأرضِ، وأغرقَ فيهم ابنَ نوح الذي قال له نوح: {يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (٤٢) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ


(١) في حديث الشفاعة الطويل، الذي أخرجه البخاري (٤٧١٢) ومسلم (١٩٤) عن أبي هريرة.
(٢) سورة البقرة: ٢٥٥.
(٣) سورة سبأ: ٢٣.