للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا كثير في كتاب الله، وليس في شيء من ذلك أن معنى المعيَّة أن يكون أحدهما حالًا في الآخر ولا ممتزجًا به ولا مختلطًا به، فمن قال: إن ظاهرَ قوله (وَهُوَ مَعَكُمْ) ونحو ذلك أن يكون الله مختلطًا بالمخلوقين وممتزجًا بهم وحالًا فيهم أو مماسًّا لهم ونحو ذلك، فقد افترى على القرآن وعلى لغة العرب، وادَّعى أن هذا الكفر هو ظاهر القرآن، وهو كَذِبٌ على الله ورسوله بلا حجة ولا برهانٍ.

وغاية ما يُقال: أن لفظ "مع" ظرفٌ أو ظرفُ مكانٍ، فيقتضي أن يكون المتعلق بهذا الظرف مكانًا (١) من المضاف إليه، كما في قول القائل: هذا فوقَ هذا، فإن "فوق" من ظروف المكان، ولكن هذا لا يقتضي أن يكون المكان عن يمين المضاف إليه أو عن شمالِه، ولا يقتضي أن يكون عن يمينه وشمالِه جميعًا، بل أكثرُ ما يَقتضي مطلقُ المكان، فإذا قُدِّر أنه (٢) فوقَ المضاف إليه لم يكن هذا مخالفًا لظاهر المعية.

ومن قال: إنه لابُدَّ في المعية من أن يكون ما مع الشيء متيامنًا أو متياسرًا أو إلى جانبه ونحو ذلك، فقد غَلِطَ غَلَطًا بيِّنًا. وهذا كما أن قوله (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ) ليس ظاهرُه أن ذاتَه في السماوات والأرض، بل ظاهرُه أنه إله أهلِ السماءِ وإله أهل الأرض، فأهلُ السماء يَألَهُونَه، وأهلُ الأرض يألهونَه.

وكذلك قوله (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ) ليس ظاهره أن نفس الله في السماوات والأرض، فإنه لم يقل: "هو في السماوات والأرض"، بل


(١) في الأصل: "مكان".
(٢) في الأصل: "أن".