وإذا كان كذلك قيل لكل من هؤلاء: بأيّ شيء رددتَ بعضَ التأويلات وقَبلتَ بعضَها؟ فلا يذكر شيئًا إلا عُورِضَ حتى يُبيَّن له تناقُضُه وفسادُ أصَلِه.
فمن كان من المتأولين (١) يتأوَّل المحبَّة والرضا والغضب ونحو ذلك، ويُقرِّر الإرادة ونحوها، قِيْل له: ما الفرقُ بين ما قرَّرتَه وبين ما تأوَّلتَه؟
فإن قال: لأن الغضب هو غَلَيَانُ دمِ القلب لطلبِ الانتقام، وذلك لا يليق بالله.
قيل له: هذا غَضَبُنا، وغضبُ الله ليس مثل غَضَبنا، بل يقال له: هذا هو مقتضى الغضب فينا أو موجبه، ليس هو نفس الغضب، والله تعالى لا يوصف بما نحتاج إليه نحن في ثبوت الصفات، فإنه عليم، ولا يحتاج في علمه إلى النظر والاستدلال الذي يُحصِّلُ لنا العلمَ، وهو قدير ولا يحتاج إلى مزاج وعلاج يُحصَّل له القوة، وهو بصير ولا يحتاج إلى شحمة، وهو متكلم ولا يحتاج إلى لسانٍ وشفتين. فكذلك غضبُه لا يَفتقِرُ إلى ما يفتقر إليه غَضبُنا.
فإن قال: أنا لا أعرِفُ الغضبَ إلا هكذا.
قيل له: فتأوَّلِ الإرادةَ؛ فإن الإرادة فينا هي مَيلُ القلب إلى جَلْب ما ينفعُه أو دفعِ ما يَضرُّه، والله تعالى لا يُوصَف بذلك.
فإن قال: إرادتُه ليست كإرادتنا.
قيل له: فقُلْ في الغضب كذلك، وهكذا في سائر الصفات.