وقد جمع سبحانه في هذه السورة وفي الأنعام وفي غيرهما ذنوب المشركين في نوعين: أمْر بما لم يأمر الله به كالشرك، ونَهْي عما لم ينهَ الله عنه كتحريم الطيبات. فالأول شرْعٌ من الدين لما لم يأذن الله به، والثاني تحريمٌ لما لم يحرّمه الله.
وكذلك في الحديث الصحيح (١) حديث عياض بن حمار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الله تعالى:"إني خلقتُ عبادي حنفاءَ، فاجتالتْهم الشياطين، فحرَّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتْهم أن يُشركوا بي ما لم أُنزِلْ به سلطانًا".
ولهذا كان ابتداع العبادات الباطلة من الشرك ونحوه هو الغالب على النصارى ومن ضاهاهم من منحرفة المتعبدة والمتصوفة، وابتداع التحريمات الباطلة هو الغالب على اليهود ومن ضاهاهم من منحرفة المتفقهة، بل أصل دين اليهود فيه آصارٌ وأغلالٌ من التحريمات. ولهذا قال لهم المسيح:{وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ}[آل عمران: ٥٠]. وأصل دين النصارى فيه تألُّهٌ بألفاظٍ متشابهة وبأفعالٍ مجملة. فالذين في قلوبهم زيغٌ اتبعوا ما تشابه منه ابتغاءَ الفتنة وابتغاءَ تأويله.
وما قررتُ في غير هذا الموضع ــ من أن توحيد الله الذي هو إخلاص الدين له، والعدل الذي نفعله نحن هو جماع الدين ــ يرجع إلى