للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس هذا كطلاق الهازل؛ فإن الهازل قَصَد اللفظ عارفًا بمعناه، واللفظُ من آيات الله، فلم يكن له أن يستهزئ بآيات الله.

وقد بسطنا الكلام في ذلك، وبيَّنَّا الفرق بين الهازل والمُكْرَه وخلع اليمين والمحلِّل ونحوهما في "بيان بطلان التحليل" (١).

فإن المُكْرَه والمحلِّل قَصَدا (٢) اللفظ لأمرٍ آخر غير معناه، هذا قَصَد دفعَ الضرر عن نفسه، [وهذا قَصَد إعادة المرأة إلى المطلِّق] (٣)، بخلاف الهازل فإنه لم يقصد معنًى آخر غير حكم اللفظ.

وهذا الجاهل بمعنى اللفظ يشبه المُكْرَه، بل هو أقوى من المُكْرَه؛ فإن المُكْرَه عرف معنى اللفظ، وقَصَد اللفظ، لكن لمقصودٍ آخر يُعْذَرُ فيه، وهو دفعُ ضرر الإكراه، ولم يقصد معنى اللفظ وحكمه. وأما الجاهل فإنه قصد معنًى آخر، ولم يقصد معنى اللفظ، ولا يمكن أن يقصده مع عدم العلم به. ومن قال: يقع الطلاق بمثل هذا، فرأيه من جنس رأي من يوقع طلاق المُكْرَه ويمين المُكْرَه؛ نظرًا إلى أنه قاصدٌ للَّفظ مريدٌ (٤) له، فأشبه الهازل.

ثم كلُّهم متفقون على أنه لو سبق لسانُه إلى اللفظ بغير قصدٍ لم يقع به شيءٌ، ولو نوى باللفظ غير الطلاق، مثل أن ينوي: طالقٌ من وثاقٍ، أو من زوجٍ كان قبلي، أو من نكاحٍ سابق = لم يقع شيءٌ في الباطن.


(١) (٩٦ - ١١٨). وشيخ الإسلام كثير الإحالة عليه في كتبه وفتاويه.
(٢) الأصل: "قصد".
(٣) زيادة مستفادة من "بطلان التحليل" (٩٧، ١٠٠)، ولعلها سقطت على الناسخ سهوًا.
(٤) الأصل: "يريد". تحريف.