للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو الذي يوجب الإرادة، يوضح ذلك أن العلة الغائية إذا كانت لا بد من تقدمها في العلم والقصد، فالعلم والقصد لا يتعلق بالعدم المحض ابتداءً، بل المقصود إنما يعلم بطريق التمثيل بالموجود، ولذلك إنما يقصد بالغرض، فيكون الغرض من عدم أحد الضد وثبوت الضد الآخر، كما يقصد عدم المانع. أما أن يكون العدم مقصودًا بالقصد الأول أو معلومًا بالعلم الأول، فهذا محال.

وإذا كان كذلك، فالغاية التي لا توجد إلا بعد الفعل تكون حالَ العلم والقصد معدومة، فإنما يعلم بالقياس إلى غيرها، وإنما يقصد لقصد أمر وجودي، وإلا فالعدم المحض إذا قُصِدَ إيجاده لا لقصد أمر موجود، لزم أن يكون في العدم المحض ما يتميز فيه مقصود عن مقصود، وهذا ممتنع.

ومن هنا غلط الغالطون القائلون بأن المعدوم شيء، وأهل الإثبات وإن قالوا: هو ثابت في العلم، فالقصد يتوجه إلى المعلوم، لكن يقال: العلم يتعلق بالمعلوم على ما هو عليه، فكذلك المعلوم لِمَ كان مقصودًا دون غيره، وليس في العدم المحض تميز، بل لا بد أن يكون المقصود أمرا وجوديًّا، ثم أريد حصول فعل وغاية قريبة لحصول ما يطلب من العمل للغاية المقصودة لذاتها.

ولهذا مكة موجودة قبل سعي الحاج إليها، فهي الغاية، وإن كان وصوله إليها، وأعمال المناسك هي غاية عمله لها، وهذه هي الغاية التي تتأخر عن العمل، لكن نفس الغاية المقصودة لذاتها لا بد أن تتقدم الفعل.