الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يُضْلل فلا هادي له. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا.
[فصل في الحكم العقلي]
فالأفعال إما شرعيّة وإما عقليّة، لكنَّ العقل كاشفٌ لحكمها لا مثبت له، والشارع مثبتٌ وكاشف. ومن الناس من يقول: بل هو مثبت فقط، ومنهم من يقول: بل هو كاشف فقط.
وأحكام الأفعال هي المعروفة بمسألة الحُسْن والقُبْح العقليين، فإنها من أصول المسائل التي يُفرِّعون عليها أمورًا كثيرةً. وقد اضطرب الناس فيها، فلكلٍّ من أصحاب أحمد ومالك والشافعي فيها قولان، والحنفية يقولون بها، وذكروا ذلك أيضًا عن أبي حنيفة، ولأهل الحديث فيها قولان، وقد ذكر أبو نصر السِّجْزي، وأبو القاسم سعد بن علي الزَّنجاني: أن نفيهما مما أحدثه الأشعري. وذكر أبو الخطّاب (١) أن
(١) في "التمهيد في أصول الفقه": (٤/ ٢٩٥). وقد نقل المصنف كلام أبي الخطاب بطوله وناقشه في مواضع منه في "درء التعارض": (٩/ ٥٠ ــ ٦٦).