للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أُرسِلتُ به" (١). فجعل قبول القلوب بشربها وإمساكها، والأول أعلى، وهو حال من علم وعمل، والثاني حال من حفظ العلم لمن انتفع به. ولهذا قال: "فكانت منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها طائفة أمسكت الماء، فشرب الناس وسقوا وزرعوا". فالماء أثر في الأولى واختلط بها، حتى أخرجت الكلأ والعشب الكثير، وكالثانية لم تشربه لكن أمسكته لغيرها حتى شربه ذلك الغير. وهذه حال من يحفظ العلم ويؤديه إلى من ينتفع به، كما في حديث الحسن - وبعضهم يجعله من مراسيله (٢) - قال: "العلم علمان: علم في القلب، وعلم على اللسان، فعلم القلب هو العلم النافع، وعلم اللسان حجة الله على عباده".

وبعض الناس قال: إن. الأول مثل الفقهاء، والثاني مثل المحدثين. والتحقيق أن الذين سماهم فقهاء إذا كان مقصودهم إنما هو فهم الحديث وحفظ معناه وبيان ما يدل عليه، بخلاف المحدث الذي يحفظ حروفه فقط، فالنوعان مثل الممسك الحافظ المؤدي لغيره حتى ينتفع به، لكن الأول فهم من مقصود الرسول مالم يفهمه الثاني.


(١) سبق هذا الحديث قريبًا.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (١٣/ ٢٣٥) والمروزي في "زوائد الزهد" ص ٤٠٧ وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (١/ ٦٦١) عن الحسن مرسلاً. ورواه مكي بن إبراهيم عن هشام بن حسان عن الحسن من قوله، كما أخرجه الدارمي. ورواه يحيى بن يمان عن هشام عن الحسن عن جابر مرفوعًا به، أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" (٤/ ٣٤٦) وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (١/ ٧٣)، ويحيى بن يمان ضعيف. انظر تعليق الألباني على "المشكاة" (٢٧٠).