للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ينابيعُ الحكمة من قلبه على لسانه". وقال ابن مسعود لأصحابه (١): "كونوا ينابيع العلم مصابيحَ الحكمة أحلاسَ البيوت سُرُجَ الليل جُددَ القلوب أخلاقَ الثياب، تُعْرَفون في السماء وتخفون على أهل الأرض".

وقد شبّه حياة القلوب بعد موتها بحياةِ الأرض بعد موتها، وذلك بما ينزله عليها، فيسقيها وتَحيا به، وشبّه ما أنزله على القلوب بالماء الذي ينزله على الأرض، وجعل القلوب كالأودية: واديًا كبيرًا يَسعُ ماءً كثيرًا، وواديًا صغيرًا يَسَعُ ماءً قليلاً، كما قال: (أَنزَلَ من السماء ماءً فَسَالَت أودية بِقَدَرِهَا) (٢). وبيَّن أنه يحتمل السيل زبدًا رابيًا، وأن هذا مثل ضربه الله للحق والباطل، (فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال (١٧)) (٣). فالأرض تشربُ ما ينفع وتحفظه، كذلك القلوب تشرب ما ينفع وتحفظه، كما ضرب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثله ومثل ما بعثه الله به من الهدى والعلم كغيثٍ أصاب أرضًا، فبعض الأرض قبلت الماء فشربته، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وبعض الأرض حفظته لمن يَسقِي ويزرع، وبعض الأرض قِيعانٌ لا تمسك ماءً ولا تُنبت كلأً. ثم قال: "فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به من الهدى والعلم، ومثل من لم يرفع بذلك


= أبي شيبة في "المصنّف" (١٣/ ٢٣١) وأبو نعيم في "الحلية" (٥/ ١٨٩) عن مكحول مرسلاً. وأخرجه أبو نعيم بسند آخر عن مكحول عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعًا، ولا يصح. انظر كلام الألباني عليه في "الضعيفة" (٣٨).
(١) أخرجه الدارمي (٢٦٢) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (١/ ٥٠٧). وإسناده ضعيف. وروي نحوه عن علي بن أبي طالب، أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (١/ ٧٧).
(٢) سورة الرعد: ١٧.
(٣) من الآية المذكورة.