للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عارف قط.

وأما أهل السنة والجماعة من سلف الأمة وأئمتها، ومشايخ أهل التصوف والحديث، فلا ينكرون حقيقة محبة الله أصلا، وهؤلاء هم الباقون على ملة إبراهيم خليل الرحمن الذي قال الله تعالى فيه: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (١٢٥)) (١)، وعلى أصل هؤلاء فيظهر أن يكون الله هو المقصود بالقصد الأول، المحبوب المطلوب لذاته.

يبقى أن يقال: فالحب والإرادة فرع (٢) الشعور، فكيف يكون هذا هو الأصل، وهو مسبوق بطلب وإرادة، وذلك مستلزم لحب؟ فلا بد أن يكون قد أحب شيئًا ما حتى أداه ذلك إلى هذه المعرفة المستلزمة محبةَ الله وقصدَه لذاته؟ فيجاب عن ذلك بوجهين:

أحدهما: أن كون الإقرار بالله لا يكون إلا نظريًّا، إنما قاله طوائف من أهل الكلام كالمعتزلة ومن سلك سبيلهم، وليس هذا قول سلف الأمة وأئمتها، ولا قول مشايخ التصوف ومشايخ أهل الحديث، ولا قول جميع أهل الكلام، بل طوائف كثيرة من أهل الكلام والنظر قد يقولون: إنها لا تكون نظرية بحال، بل لا تكون إلا ضرورية.

والتحقيق أنها فطرية ضرورية، ولكن قد يحصل لبعض الفطر ما يُفسِدها، فيحيلنا إلى نظر، كما يقرن النظر بالضرورة، كما قال النبي


(١) سورة النساء: ١٢٥.
(٢) في الأصل:"قربه".