وأما المتفلسفة فالذي يعترفون به هو لذة العلم أيضًا فقط، إذ رؤيته عندهم بالعين ممتنعة، وكل من تكلم في لذة النظر والمشاهدة والتجلي ونحو ذلك من متصوفة المتفلسفة، فكلامه يعود إلى ذلك، وهو دونه، فإنه لا يثبت قدرًا زائدًا على ما أثبته المعتزلة، بل لا يكاد يصل إليهم، ولكن يُمَوِّهون بالتعبير على المعاني الفلسفية بالعبارات الإسلامية، وإلا فهم في الرؤية والمشاهدة لا يُجاوزون قول المعتزلة حيث يفسرونها بنوع من العلم. وفي كلام أبي حامد وأمثاله من ذلك أصناف، والفارابي.
ومن تدبر كلام الفلاسفة كابن سينا ونحوه، وجد ما يثبتونه من اللذات العقلية إنما هو لذة العلم بالموجود من حيث هو موجود، لا اختصاص للرب بذلك، اللهم إلا من حيث يولد وجوده، وغايته تلذذ بامور كلية حاصلة في ذهن العالم لا وجود لها في الخارج، لا سيما إذا قالوا: إن النفس الناطقة لا تُدرِك المغيبات التي يسمونها الجزئيات، وإنما تُدرِك الكليات، لا سيما بعد المفارقة. والكليات لا تكون كليات إلا في الذهن، فلا تكون لذة النفس عندهم إلا بأمور مقيدة فيها متصلة بها، لا بعلم شيء موجود في الخارج عنها.
وهذا في غاية البعد عن الحق، كما قد بسطناه في غير هذا الموضع، وإنما هو إثبات النعيم بأمور مقدرة في الذهن، ولهذا كان الاتحادية وهم من خلاصة جَهْم، لا ينكرون اللذة بالمشاهدة، كما ذكر ذلك ابن العربي الطائي في بعض كلامه (١) أن المشاهدة ما التذَّ بها