للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الأجرة المسمَّاة بقِسْط ذلك.

وإن كانت الآفة عطَّلت المنفعة بالكلية، فإنه يُحَطُّ عنه جميعُ الأجرة، ولا يستحقُّ المؤجِّر شيئًا من الأجرة؛ فإن المنفعة المستحَقَّة بالعقد لا بدَّ فيها من بقاء الزَّرع حتى يتمكَّن من حصاده، فإذا حصلت آفةٌ منعت من بقاء الزَّرع فيه فهو كما لو منعه من نباته وأبلغ؛ فإنه هنا تَلِف مالُ المستأجر أيضًا، لكن من غير تفريط من المؤجِّر، فلهذا قيل: "الزَّرع يتلفُ من ضمان المستأجر، والمنفعة تتلفُ من ضمان المؤجِّر" (١)، فتسقط الأجرة التي آجر بها الأرض تعديلًا بينهما.

ومن قال: إن المستأجر تجبُ عليه الأجرة مع ذهاب زرعه، فهو نظير أن يقال: بل المؤجِّر يجبُ عليه ضمان زرع المستأجر؛ لأن تلفَ مال المستأجر في أرضه، كما لو غَرَّه. وكلا القولين ظلم، والعدل ما تقدَّم.

ونظير هذا: لو استأجر خانًا أو حمَّامًا، فجاء عدوٌّ منع الناسَ من سكنى تلك الأرض والانتفاع بذلك، فإنه لا أجرة مع ذلك (٢).

وليس ذلك بمنزلة ما لو سرق بعضُ اللصوص مالَه؛ فإن هذا لم تتعطَّل به المنفعة, إذ يمكنُ منعُ الأرض من اللصِّ، فالمستأجر هنا مفرِّطٌ في استيفاء المنفعة، فهو كما لو نبت الزَّرع وجاء بعض اللصوص سَرَقه، وليس هو عذرًا غالبًا، فهذا لا يمنع وجوبَ الأجرة.

وليس هذا كما لو تعذَّر على المستأجر وحده الانتفاع، كما لو احترق


(١) انظر: "المغني" (٦/ ١٧٨, ١٨١).
(٢) انظر: "مجموع الفتاوى" (٣٠/ ٣١١).