للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما هو مذهب أبي حنيفة وغيره، وهو أشهر الروايتين عن أحمد. وفيها قول ثالث في مذهب أحمد وغيره: إنه يجوز مع الحاجة دون الغِنَي، كما في وليّ اليتيم (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) (١).

ومنشأ النزاع أن الأعمال التي يختصّ فاعلها أن يكون من أهل القربة هل يجوز إيقاعُها على غير وجهِ التقرب؟ فمن قال: لا يجوز ذلك، لم يُجوِّز الإجارة، لأنها بالعوض تقعُ غيرَ قربةٍ، فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، والله لا يَقبل من العمل إلا ما أريد به وجهُه. ومن جوَّز الإجارة جوَّز إيقاعَها على غير وجه التقرب، ولا تصح الإجارة عليها لما فيها من نفع المستأجر، فأما الاستئجار للتلاوة فليس من هذا الباب.

والعلماء متفقون على أنَّ الصدقةَ تَصِل إلى الميت، وكذلك العتق ونحوه من العبادات المالية. وأما العبادات البدنية كالقراءة والصيام والصلاة فلهم فيها قولان مشهوران، ومن جوَّز إلا هذا فلابدّ أن يكون ثواب عمل صالح، وهو ما أُرِيد به وجهُ الله، فإذا وقعت العبادةُ لمجرّد العوض -مثل أن يعطيه عوضًا على صلاته أو صيامه أو قراءته- لم تقع قُربةً، فلا ثوابَ ولا إهداءَ، ولكن نفس حفظ القرآن ودراسته وتعلّمه وتعليمه من الأعمال المقصودة، وإنفاق المال فيها من القربات والطاعات، كإعانة المسلمين على الجهاد والصيام وغيرهما.

وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من فطَّر صائمًا فله مثل أجره" (٢)، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من


(١) سورة النساء: ٦.
(٢) أخرجه أحمد (٤/ ١١٤، ١١٦) والترمذي (٨٠٧) وابن ماجه (١٧٤٦) عن زيد بن خالد الجهني.