للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالأوّل متى ثبتَ الحكم في بعض الصوَر دون بعضٍ عُلِم أن العلَّة باطلة، وهذا مثلُ دعوى من يدَعي أن الموجبَ للنفقةِ نفسر الإيلادِ، أو نفسُ الرحم المحرم، أو مطلق الإرثِ بفرضٍ أو تعصيب، ويَقول: إذا اجتمع الجدُّ والجدةُ كانت النفقةُ عليهما. فإنه لمّا ثبت بالنص والإجماع أنه إذا اجتمعَ الأبوانِ كانت النفقةُ على الأب (١)، عُلِم أن العَصَبةَ في ذلك يُقدم على غيره، وإن كان وارثاً بفرض، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد. وعُلِم أن قوله (وعلى الوارث مثل ذلك) (٢) هو الوارث المطلق، وهو العاصب إن كان موجوداً، لأن عُمَرَ جَبَرَ بَني عمَ مَنْفُوسٍ على نفقته (٣).

وهذه الآية صريحة في إيجاب نفقةِ الصغير على الوارثِ العاصب، وقال بها جمهور السلف (٤). وليس لمن خالفها حُجَّةٌ أصلاً. ولكن ادعَى (٥) بعضهم أنها منسوخة، وقيل ذلك عن مالك (٦). وبعضهم


(١) سبق الكلام عليه (ص ١٧٦).
(٢) سورة البقرة: ٢٣٣.
(٣) انظر: تفسير القرطبي ١٨/ ١٧١.
(٤) انظر: تفسير القرطبي ٣/ ١٦٨، ١٦٩.
(٥) في الأصل: "ادعها" (= ادعاها).
(٦) رواه ابن القاسم عنه. قال ابن العري في أحكام القرآن ١/ ٢٠٥: "هذا كلام تشمئز منه قلوب الغافلين وتَحار فيه ألباب الشادين، والأمر فيه قريب، وجهه أن علماء المتقدمين من الفقهاء والمفسرين كانوا يسمّون التخصيص نسخا، لأنه رفع لبعض ما يتناوله العموم ومسامحة". ونقله القرطبي ١/ ١٦٩.