للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نادمين من حين رجع الرسول والمؤمنون.

وهذا كما قد قيل: إن الله حجرَ التوبة عن كل صاحب بدعة، بمعنى أنه لا يتوب منها، لأنه يراها حسنةً، والتوبة إنما تتيسر على من عرف أن عمله سيِّء قبيح، فيكون عمله داعيًا له إلى التوبة، أما إذا اعتقد أنه حسن فيحتاج ذلك الاعتقاد إلى أن يزول، وزوال الاعتقاد لا يكون بالوعظ والتخويف، وإنما يكون بعلم وهدى يبيِّن الله له فساد اعتقادِه، وصاحب الاعتقاد الفاسد جهلُه مركب، وهو لا يُصغي إلى أدلّة مخالفيه وتفهُّمِها لوجهين:

أحدهما: أنه لا يجتمع النقيضان في القلب، فلا يجتمع ذلك ودليلُ نقيضِه، فإن دليل النقيض يستلزمه، فلا يمكن أن يتصور دليل النقيض إلا مع عُزوب ذلك الاعتقاد عن القلب، لا مع حضوره، ولأن اعتقاده لذلك القول يدعوه إلى أن لا ينظر نظرًا تامًّا في دليل خلافه، فلا يعرف الحق.

ولهذا قال السلف: إن البدعة أحبُّ إلى إبليس من المعصية. وقال أيوب السختياني وغيره: إن المبتدع لا يرجع. واحتج بقوله في الخوارج: «يمرقون من الإسلام كما يمرق السهمُ من الرميَّة، ينظر في نَصْلِه فلا يرى شيئًا، وينظر في رِصَافِه فلا يرى شيئًا، وينظر في قِدْحِه فلا يرى شيئًا، وينظر في نَضِيِّه فلا يرى شيئًا، ويتمارى في الفُوْق قد سبقَ الفرثَ والدمَ» (١).


(١) أخرجه البخاري (٣٦١٠) ومسلم (١٠٦٤) من حديث أبي سعيد الخدري. والرميَّة: الصيد المرميّ، والنصل: حديدة السهم، ورِصافه: عصبه الذي يكون فوق مدخل النصل، والنضيّ: عود السهم قبل أن يُراش ويُنصل، وقيل: هو ما بين الريش والنصل. والقِدح هو النضيّ كما فُسّر في الحديث. والفُوق من السهم: حيث يثبت الوتر منه.