للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من لا يوفي بذلك. قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: ٧٥ - ٧٧].

فهذا النفاق الذي حصل في قلوب هؤلاء قد أخبر الله أنه باقٍ إلى يوم يَلْقَونه، وهذا قد يكون لأنهم لم يتوبوا منه توبةً صادقةً. ومن الناس من يقول: إن من الذنوب ما لا يزول بالتوبة، وقد روي أن منهم من جاء بصدقته فلم يقبلها، كالذين قال فيهم: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} [التوبة: ٨٣]. فهؤلاء لم يُقبل منهم الجهاد لما امتنعوا عام تبوك، وهذا لم تُقبل منه (١) الصدقة لما منعها أولًا.

وقوله في الثلاثة الذين خُلِّفوا: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ١٠٦] دليلٌ على أن هؤلاء الذين عُذّبوا لم يتب الله عليهم، إما لكونهم لم يأتوا بتوبةٍ تمحو ذلك الذنب، هذا قول الأكثرين. وحينئذٍ فيكون التقصير منهم، وهم ظلموا أنفسهم. وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: ٥٣]، على أنه إذا تاب توبةً صادقةً، والشأن في تحقيق التوبة، ولهذا أخَّر الثلاثة الذين خُلِّفوا، وقد كانوا


(١) في الأصل: منهم.