الموت، وهذا تُقبل توبتُه على الصحيح وتنفذ وصاياه، فإن عمر أوصى في هذه الحال، وغايته أنه أيقن بالموت بعد زمنٍ، وكلُّ أحدٍ يوقن بالموتِ بعد زمنٍ طويل أو قصير، إلا أن يقال: من هؤلاء من يضطرب عقلُه، فلا يمكنه توبة صحيحة، فإن التوبة لابد فيها من رجوع القلب إلى الله عما فعله من السيئات، وهذا قد لا يحصل في هذا الزمان مع تغير العقل.
ومن المذنبين من لا يتوب توبة صادقة بعد معاينة عذاب الآخرة، فكيف بعذاب الدنيا، بل يَعِد بالتوبة، فإذا أُطلِق عاد. قال تعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الأنعام: ٢٧]. قال الله تعالى:{بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[الأنعام: ٢٧]. فهؤلاء قد عاينوا العذابَ وتمنَّوا الردَّ، وقالوا: إنهم لا يكذبون بآيات ربهم ويكونون من المؤمنين، وقد كذَّبهم الله في ذلك فقال:{وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}.
وهذا يُبيِّن أن قوله:{وَلَا نُكَذِّبَ} و {وَنَكُونَ} إخبارٌ منهم عن أنفسهم، وجواب تمنيهم ليس هو مما تمنَّوه، كأنهم قالوا: يا ليتنا نُردّ فنكون حينئذٍ مؤمنين لا مكذبين. وجواب النهي في لغة العرب يكون بالواو والفاء. فما كلُّ من ذكر أنه تائب عند معاينة العذاب يَصدُق في بقائه تائبًا، كآل فرعون، وهذا موجود في الناس كثيرًا عند الشدائد يتوبون وينذرون، ثم إذا زالت الشدة منهم من يُوفي بتوبته ونذره، ومنهم