للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا كان البستان أجناسًا، كالعنب والرُّطَب والتفاح والمشمش والتُّوت، فَبَدَا الصلاحُ في جنسٍ من ذلك، جازَ بيعُ جميع ما في البستان من ذلك في أحد قولَيْهم أيضًا، لأن الشرط في المبيع أن يبدوَ صلاحُ بعضه لا صلاحُ كلِّ جزءٍ منه، إذا كان مما يُباعُ جملةً في العادة.

ومعلومٌ أنه إذا كان فيه نخيلٌ وأعنابٌ كان بيعُ بعضِ النخيلِ دونَ بعضٍ فيه مشقَّةٌ، فجوِّزَ بيعُ الجميع. وهكذا إذا كان عنبًا ورُمَّانًا وجوزًا ونحو ذلك فبيعُ بعضِ هذه الأجناس دونَ بعضٍ فيه مشقةٌ، كما في بيعٍ بعض النخيل دونَ بعضٍ فإن المشتري إن لم يَشترِ الجميعَ لم يَرض بشراءِ البعضِ، إذ لا يمكِن أن يدخل عليه غيره في البستان من المشتري، ففي بيع بعض البستان دون بعضٍ ضررٌ على البائع والمشتري، ولا فسادَ في بيع الجميع.

بل إن قيل: قد تُصيبه جائحةٌ فلا يثمر الباقي، قيل: هذا بمنزلة الجائحة فيما بَدَا صلاحُه، وقد أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بوضع الجائحة (١).

والشارعُ بُعِث بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فنهى عن بيع الثمار قبلَ بدوِّ صلاحها لما فيه من المخاطرة من غير حاجة، وأما بعد بدوِّ صلاحِها فهم محتاجون إلى بيعها في هذه الحال وإن كان فيه نوع مخاطرةٍ، لأن المنع من ذلك أشدُّ ضررًا على الناس من المخاطرة، كما في الإجارة، لأن المنع منها أشدُّ ضررًا من إباحتها مع المخاطرة، ثم إنه جَبَر هذا الضررَ بوضعِ الجوائح، فما تَلِفَ


(١) أخرجه مسلم (١٥٥٤) من حديث جابر بن عبد الله.