للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمَّ إن من رحمة الله أنه قَلَّ أن يُنقَل عنهم شيء من ذلك إلا وفيِ النقول الصحيحة الثابتة عنهم للقولِ المحكم الصريحِ ما يُبيِّنُ غلط الغالطين عليهم في النقل أو التأويل، وهذا لأن الصراط المستقيم في كل الأمة بمنزلة الصراط في المِلَل، فكمالُ الإسلام هو الوسَطُ في الأديان والمِلَل، كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) (١) لم ينحرفوا انحرافَ اليهود والنصارى والصابئين. فكذلك أهلُ الاستقامةِ، ولزومِ سنة رسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما عليه السلف، تمسَّكوا بالوسط، ولم ينحرفوا إلى الأطراف.

فاليهود مثلًا جَفَوا في الأنبياء والصديقين حتى قتلوهم وكذَّبوهم، كما قال الله تعالى: (فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (٨٧)) (٢)، والنصارى. غَلَوا فيهم حتى عَبَدوهم، كما قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ) الآية (٣).

واليهود انحرفوا في النسخ، حتى زعموا أنه لا يقع من الله ولا يجوز عليه، كما ذكر الله عنهم إنكارَه في القرآن حيث قال: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا) (٤)، والنصارى قابَلُوهم، فجوَّزوا للقِسّيسين والرهبان أن يُوجِبوا ما شاءوا ويُحرِّموا ما شاءوا.

وكذلك تقابلهم في سائر الأمور.

فهدى الله المؤمنين إلى الوسط، فاعتقدوا في الأنبياء ما يستحقونه، ووقَّروهم وعَزَّروهم وأحبُّوهم، وأطاعوهم واتبعوهم، ولم يردُّوهم


(١) سورة البقرة: ١٤٣.
(٢) سورة البقرة: ٨٧.
(٣) سورة النساء: ١٧١.
(٤) سورة البقرة: ١٤٢.