للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأَذِنَ له فيها، ففي الحقيقة ليس هو شفيعًا، وإنما هو عبد مطيع (١).

يبيِّن ذلك أن "الشفاعة" سُمِّيت بذلك لأن الشفيع يصيرُ شَفْعًا للطالب، فإنه يكون طالبًا لأمرٍ، فإن أعانه آخرُ صار شافعًا (٢)، والشفيعُ كالمُعِين والنصير، وهذا في الدنيا يُفْعَلُ ابتداءً، وأما في الآخرة فلا مُعِين ولا نصير إلا بأمر الله، فلا فرق بين الذي هو يشفعُ بإذنه وبين سائر جنود الله الذين لا يفعلون إلا بإذنه، والذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.

وهكذا قولُ المشركين: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٩٨) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (٩٩) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (١٠٠) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: ٩٧ - ١٠١]، فإن الصديق الحَمِيم هو مِثل الخليل، ومثل قوله: {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: ٤٨]، ومثل قوله: {لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا} [لقمان: ٣٣].

والله سبحانه بيَّن [أنَّ] ذلك يوم القيامة؛ لأنه في الدنيا قد خلق أسبابًا تعلَّق بها كثيرٌ من الناس، وأشركوا بها خالقَها، وأعرضوا عنه، واتخذوا عباده من دونه أولياء، ونازعه المستكبرون الربوبيَّة والإلهيَّة، ونازعوه العظمة والكبرياء، فوقع الإشراك من الأتباع والمتبوعين.

فإذا كان يومُ القيامة، ونادى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: ١٦]، لم يبق أحدٌ يدَّعي ذلك، فهو مالكُ يوم الدين، الذي كان يكذِّبُ به


(١) انظر: "مجموع الفتاوى" (١/ ١١٨)، و"إغاثة اللهفان" (٣٩٨ - ٤٠٠).
(٢) انظر: "الصفدية" (٢/ ٢٩١)، و"مجموع الفتاوى" (١/ ٢٧٨، ٢٨/ ٣٠٠).