للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جميع المخلوقات بالنسبة إلى قبضته تعالى في هذا الصغر والحقارة كيف تُحيط به وتَحصُره؟

ومن قال: إنَّ الله ليس في جهة، قيل له: ما تُريد بذلك؟ فإن أراد بذلك أنه ليس فوق السماوات ربٌّ يُعبَد، ولا على العرش إلهٌ، ومحمدٌ لم يُعرَج به إلى الله تعالى، والأيدي لا تُرفَع إلى الله تعالى في الدعاء، ولا تتوجه القلوبُ إليه= فهذا فرعوني معطِّلٌ جاحدٌ لربِّ العالمين.

وإن كان معتقدًا أنَّه مُقِرٌّ به، فهو جاهل متناقضٌ في كلامه. ومن هنا دَخَل أهل الحلول والاتحاد كابن عربي، وقالوا: إنّ الله بذاته في كل مكان، وأن وجود المخلوقات هو وجودُ الخالق.

وإن قال: مرادي بقولي "ليس في جهة" أنه لا تُحيط به المخلوقات، بل هو بائن عن المخلوقات= فقد أصاب في هذا المعنى.

وكذلك من قال: إن الله متحيز، أو قال: ليس بمتحيز، إن أراد بقوله "متحيز" أن المخلوقات تَحُوزُه وتُحِيط به فقد أخطأ. وإن أراد أنه منحازٌ عن المخلوقات لا تَحوِيه فقد أصاب. وإن أراد: ليس ببائنٍ عنها، بل هو لا داخلٌ فيها ولا خارجٌ عنها فقد أخطأ.

والناس في ذلك ثلاثة أصنافٍ: أهل الحلول والاتحاد، وأهل النفي والجحود، وأهل الإيمان والتوحيد والسنة.

فأهل الحلول يقولون: إنه بذاته في كلِّ مكانٍ، وقد يقولون بالاتحاد والوحدة، فيقولون: وجود المخلوقات وجودُ الخالق، كما هو مذهب ابن عربي صاحب "الفصوص" وابن سبعين ونحوهما.