للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فدَل على أنَّ مجردَ العقل يُوجبُ النجاةَ وكذلك مجردُ السمع، [و] معلوم أن السمع لا يُفيد دونَ العقل، فإنّ مجردَ إخبارِ المخبرِ لا يَدُل إن لم يُعلَم صِدقُه، وإنما يُعلَم صِدقُ الأنبياء بالعقل، لكن طائفةً من أهل الكلام ظنُّوا أنَّ دلالةَ السمع إنما هي من جهةِ المخبرِ فقط، وقد عَلِمُوا أن الخبرَ لا يُفِيد إن لم يُعلَم بالعقلِ صدقُ المخبِرِ، فجعلوا دلالةَ العقلِ خارجةً عما جاءت به الأنبياء.

وأما حُذَّاقُ المتكلمين فعَلِموا أن الرسول بَيَّنَ للناسِ الأدلةَ العقليةَ التي بها يُعرَف إثباتُ الصانع وتوحيدُه وصفاتُه وصِدْقُ رسوله، وعَلِمُوا أنه لا يكون عالمًا بالكتاب والسنَّةِ إلاّ مَن عَلِمَ ما فيهما من الأدلة العقلية التي تَدُل على المطلوب، مثلَ العلمِ بصدْقِ المخبِرِ، وأنَّ الله إنما بعثَ رسولاً إلى الخلقِ ليَهديَهم ويُخرِجهم من الظلماتِ إلى النور، ويَهدِيَهم إلى الصراطِ المستقيم، ويدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادلهم بالتي هي أحسنُ. إذْ بعثَه بالهدى ودينِ الحق، وقد أكملَ له ولأمتِه الدِّينَ، وأتمَّ عليهم النعمةَ.

وقد تضمَّنَتْ رسالتُه ما به يُعلَم ذلك من الأدلة العقلية، وإلاّ فمجرَّدُ إخبارِ المخبرِ قبلَ العلمِ بصِدْقِه لا يُفِيدُ علمًا. وكذلك الأدلة العقلية لا يكونُ النَاظرُ فيها قد أعطاها حقَّها حتَّى تَدُلَّه على صِدْقِ الرسول، فإنَّ الأدلة العقلية اليقينية مستلزمة لذلك، وثبوتُ الملزِوِم بدون ثبوتِ اللازم محال. ولهذا قال أهل النار لما قيل لهم (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قَالُوا بَلَى) (١) الآية إلى (السَّعِيرِ (١١)). فدَل ذلك على


(١) سورة الملك: ٨ - ١١.