للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نُهِيَ عنها. والسلفُ كانوا يحسِّنون القرآنَ بأصواتِهم من غيرِ أن يتكلفوا أوزانَ الغِناء، مثلَ ما كان أبو موسى الأشعري يَفعلُ، فقد ثبت في الصحيح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "لقد أُوتِيَ هذا مِزْمازا من مَزاميرِ آلِ داودَ" (١). وقال لأبي موسى الأشعري: "مررتُ بك البارحةَ وأنتَ تقرأ، فجعلتُ أستمعُ لقراءتِك"، فقال: لو علمتُ أنك تسمعُ لَحبَّرتُه لكَ تحبيرًا (٢). أي لحسَّنْتُه لك تحسينا. وكان عمر يقول لأبي موسى الأشعري: يا أبا موسى، ذَكِّرْنا ربَّنَا، فيقرأ أبو موسى وهم يستمعون لقراءته.

وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "زَيِّنُوا القرآنَ بأصواتِكم" (٣). وقال: "لَلّهُ أَشَدُّ أَذَنًا إلى الرجلِ الحسنِ الصوتِ بالقرآنِ من صاحبِ القَيْنَةِ إلى قَيْنَتِه" (٤). وقال: "ليس منَّا من لم يَتَغَن بالقرآن" (٥).

وتفسيرُه عند الأكثرين كالشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما هو تَحْسِيْن الصوتِ به. وقد فَسَّره ابن عيينة ووكيع وأبو عبيد على الاستغناء به. فإذا حَسَّنَ الرجلُ صوتَه بالقرآن كما كان السلف يفعلونه -مثل أبي موسى الأشعري وغيره- فهذا حسن.

وأما ما أُحدِثَ بعدَهم من تكفُفِ القراءةِ على ألحانِ. الغناءِ فهذا


(١) أخرجه البخاري (٥٠٤٨) ومسلم (٧٩٣) عن أبي موسى الأشعري.
(٢) أخرجه أبو يعلى كما في "مجمع الزوائد" (٧/ ١٧٠)، قال الهيثمي: فيه خالد ابن نافع الأشعري، وهو ضعيف. وانظر "فتح الباري" (٩/ ٩٣).
(٣) أخرجه أحمد (٤/ ٢٨٣، ٢٨٥، ٢٩٦، ٣٠٤) وأبو داود (١٤٦٨) والنسائي (٢/ ١٧٩، ١٨٠) وابن ماجه (١٣٤٢) من حديث البراء بن عازب. وصححه ابن حبان والحاكم.
(٤) أخرجه أحمد (٦/ ١٩ و ٢٠) وابن ماجه (١٣٤٠) من حديث فضالة بن عبيد.
(٥) أخرجه البخاري (٧٥٢٧) عن أبي هريرة.