للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: الصواب المقطوع به أن القراءة المشهورة المتواترة أرجحُ من هذه، فإنّ تلك القراءة لو كانت أرجحَ من هذه لكانت الأمة قد نَقَلتْ بالتواتر القراءةَ المرجوحةَ. والقراءة التي هي أحبُّ القراءتين إلى الله ليست معلومةً للأمة، ولا مشهودًا بها على الله، ولا منقولةً نقلاً متواترًا، فتكون الأمة قد حفظت المرجوح، ولم تحفظ الأحبَّ إلى الله الأفضلَ عند الله، وهذا عيب في الأمة ونقص فيها.

ثمّ هو خلاف قوله (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (٩)) (١)، فإنه على قولِ هؤلاء يكون الذكر الأفضل الذي نزله ما حفظه حفظًا يُعلَم به أنه منزَّل، كما يعلم الذكر المفضول عندهم.

وأيضًا فللناس في هذه القراءة وأمثالها مما لم يتواتر قولان (٢):

منهم من يقول: هذه تشهد بأنها كذب، قالوا: وكل مالم يُقطَع بأنه قرآن فإنه يُقطَع بأنه ليس بقرآن. قالوا: ولا يجوز أن يكون قرآنٌ منقولاً بالظنّ وأخبارِ الآحاد، فإنّا إن جوّزنا ذلك جاز أن يكون ثَمَّ قرآن كثير غيرُ هذا لم يتواتر. قالوا: وهذا مما تُحِيلُه العادة، فإن الهمم والدواعي متوفرة على نقل القرآن، فكما لا يجوز اتفاقُهم على نقل كذبٍ، لا يجوز اتفاقهم على كتمان صدقٍ.

فعلى قولِ هؤلاء يُقطَع بأن هذه وأمثالَها كذب فيَمتنعُ أن يكون أفضل من القرآن الصدق.


(١) سورة الحجر: ٩.

(٢) انظر في حكم القراءات الشاذة: "التمهيد" لابن عبد البر (٨/ ٢٩٣)، و"فتاوى ابن الصلاح" (١/ ٢٣١ - ٢٣٣)، و"المرشد الوجيز" ص ١٨٣ وما بعدها، و"منجد المقرئين" ص ٨٢ وما بعدها، و"مجموع الفتاوى" (١٣/ ٣٨٩ وما بعدها).