للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والسلف على تناوله لغير المساجد، وأنه إذا نُهِيَ عن السفر إلى المساجد التي هي أحبُّ البقاع إلى الله، مع أن قصدها للعبادة والدعاء والذكر مشروعٌ باتفاق المسلمين، فالسفرُ إلى المقابر التي نُهِيَ عن اتخاذها مساجد، ولم يُشْرَع قصدُها للصلاة والدعاء والذكر، بطريق الأولى والأحرى (١).

وابن عبد البر والشيخ الموفَّق وغيرهما من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم موافقون على أنه لا يجوز اتخاذ القبور مساجد (٢).

وقال الشافعي - رضي الله عنه - (٣): أكره أن يُعَظَّم مخلوقٌ حتى يُتَّخَذ قبرُه مسجدًا؛ مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده (٤).

وذكر الشيخ موفَّق الدين في مُغْنيه (٥) أنه يحرُم بناء المساجد على القبور، وأنه لو نذر أن يذبح بمكانٍ وعنده قبرٌ أو شجرةٌ أو عينٌ أو غير ذلك مما يُعَظَّم لم يجز الوفاء بنذره.

وقد بسطتُ هذه المسائل في كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفةَ أصحاب الجحيم" (٦).


(١) انظر: "الإخنائية" (١١٤، ١٧٥، ١٨١، ٢٤٢، ٤٧٧).
(٢) انظر: "التمهيد" (١/ ١٦٨، ٥/ ٤٥، ٦/ ٣٨٣).
(٣) في "الأم" (٢/ ٦٣٣) بمعناه. وهو باللفظ الذي ذكره شيخ الإسلام في "المهذب" (١/ ٤٥٦)، و"البيان" (٣/ ١٢٦)، و"المجموع" (٥/ ٣١٤).
(٤) الأصل: "يعبده". تحريف.
(٥) "المغني" (٣/ ٤٤١، ١٣/ ٦٤٣).
(٦) (١/ ٣٣٢ - ٣٣٩، ٢/ ١٦٩ - ١٩٥، ٢٩٤ - ٣٠٤). وقد أشار ابن عبد الهادي في "العقود الدرية" (٣٩٧) إلى كلام الشيخ عن مسألة شد الرحال في كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم"، وذكر أنه أبلغ من تلك الفتيا التي شنع بها عليه مخالفوه وأقدم منها بكثير.