وأما صلاتُها مع الظهر فقد سنَّه في الجملة، ومعلومٌ أن جنسَ ما توعَّد عليه محرَّمٌ، وجنس ما فَعلَه مشروعٌ، فَعُلِمَ أن الجمع بينهما في وقت الظهر خيرٌ من التأخير إلى أن تفوتَ. وهذا مذهب جماهير العلماء كمالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه، بل لا يُجوِّزون التأخير ولا غيره، ويُجوِّزون الجمعَ لما هو دونَ القتال. وأحمد وإن قال في روايةٍ عنه: إن المقاتل يُخيَّر بينَ الصلاةِ في الوقت والتأخير، فلا يختلف قوله: إن الجمعَ أولى من التفويت، وإنما يقول -على تلك الرواية-: إذا لم يمكنه أن يُصلِّي بالنهار لأجل القتال خُيِّرَ بين الصلاةِ حالَ القتال في الوقت وبين الصلاة بعد المغرب. وأما على ظاهرِ مذهبه فلا يُجوِّز تفويتَها إلى الغروب بحالٍ.
والمقصود هنا أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان قد صلَاّهما بالمسلمين في وقت الظهر لاشتغالِه عن فِعْلِهما في الوقت المختصّ باتصال الدعاء والذكر، فالجمعُ للاشتغال بالجهادِ أولَى وأحرى. هذا إذا أمكنَه أن يُصلِّي مع الجهادِ صلاةً تامَّةً، لكن يتعطَلُ عن بعض مصلحة الجهاد.
وأمّا إذا قُدِّرَ أنه لا يمكنُه أن يُصلِّي إلا على دابَّتِه إلى غير القبلة لأجل القتال، فلا ريبَ أن صلاتَه بالأرض صلاةً تامَّةً جمعًا بين الصلاتين خيرٌ من أن يصلِّي العصرَ في وقتها المختصّ صلاةً ناقصةً، لما فَعَلَه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجته، ولحديث المستحاضة، ولأن تكميلَ العبادة بفعل واجباتها أمرٌ مقصودٌ في نفسِه، والجامعُ مُصَل لها في وقتها لا في غير وقتِها، لكن صلاها في وقت المعذور، وهو الوقت المشترك، وما حصلَه بالتكميل المأمور به في الصلاة أكملُ مما فاتَه من الوقت المختصّ. فإذا كان تكميل الدعاء والذكر بعرفةَ أفضلَ من الصلاة في