للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما تفويت الصلاة إلى الغروب مع إمكان فِعْلِها في الوقت فهذا لم يَرِد به سنةٌ قَطُّ، فإنّ غايةَ ما يُحتَجُّ به تأخير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصلاةَ يوم الخندق، وقد رُوِيَ أنه أخَّر الظهر والعصر جميعًا وأخَّر المغرب أيضًا، فلم يُصلِّهنَّ إلا بعد مُضِيِّ طائفة من الليل. وهذا إن كان نسيانًا فليس هو مما نحن فيه، فإنه من نام عن صلاةٍ أو نَسِيَها كان مأمورًا بأن يصليها إذا ذكرها. وإن لم يكن نسيانًا بل اشتغالاً بالقتال كما يقوله الجمهور فعنه جوابان:

أحدهما: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان مشغولاً بقتالهم في النهار، ولم يعلم أنه يفرغ للصلاة بعد الزوال دون ما بعد العصر فإذا كان كذلك لم يكن هذا مما نحن فيه، فإن الكلام إنما هو فيمن تفرغ للجمع في أول وقت الظهر، كما تفرَّغ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لذلك يومَ عرفةَ.

الثاني: أنَّ هذا التأخير منسوخٌ بقوله: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (٢٣٨)) (١)، فإنها نزلت في ذلك، والوسطى هي العصر، ولهذا قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الخندق: "مَلأَ الله أجوافَهم وقُبورَهم نارًا كما شَغَلُونا عن الصلاة الوسطى صلاةِ العصر" (٢). وأيضًا فقد ثبتَ عنه في الصحيح أنه قال: "من فَاتَتْه صلاةُ العصرِ فكأنما وُترَ أهلُه ومالُه" (٣). وعلَّقَ إدراكَها بإدراكِ ركعة منها فقال: "من أدركَ ركعةً من العصر قبلَ أن تَغرُبَ الشمسُ فقد أدرك" (٤).


(١) سورة البقرة: ٢٣٨.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) سبق تخريجه.
(٤) سبق تخريجه.