للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المخصوصَ على غيرِه، وحملنا النبيذَ على غيرِه من المائعات، والقَهقهةَ على الكلام، فإن مخالفَنا يعترف بصحة القياس، وأنّه يجب حملُ النبيذِ على غيرِه من المائعاتِ والقهقهة على الكلام، ويدَعي أنه استَحسنَ تركَه لما هو أولى منه (١).

قالوا: وهذا غير صحيح لوجهين:

أحدهما: أنه يلزمُه أن يُبين الأولى، وإلاّ حكمُ القياسِ متوجهٌ عليه. وهذا كما لو قال: القرآنُ يدكُ على كذا، ولكن تركتُه للسنةِ، فتكون حُجةُ القرآنِ لازمةَ له ما لم يُبين السنةَ التي هي أقوى من القرآن، ولا يكفي في ذلك مجردُ الدعوى.

والثاني: أنه يدَعي أنَ الاستحسانَ أقوى من القياسِ، فلهذا تركه. والقياسُ إذا عارضه دليل أقوى منه كان القياس باطلاً، ولم يكن له حكم. كما لو عارضَه نمنُ كتاب أو سنَّةِ أو إجماع. ولمّا حُكِم بصحة القياس هاهنا امتنع أن يكون مَا عارضَه أقوى منه ومانعاً من استعماله (٢).

قلت: مضمونُ هذا إبطالُ أن يكون هذا مخصوصاً من جملة القياس، وقياسه على سائر الصور، وهذا إبطال للاستحسان، وهذا يقتضي أن الاستحسانَ إذا خالفَ القياسَ لَزِمَ بُطلانُ الاستحسانِ إن كان القياس صحيحاً، أو بطلانُ القياس إن كان الاستحسان المعارِضُ


(١) انظر: أصول الجصاص ١٢٠ وأصول السرخسي ٢/ ١٥٣.
(٢) هنا ينتهي كلام أبي يعلى.