تُوجبُ السخونةَ، والسخونةُ تحصلُ بالحركة وبالنار وبالشُّعاع، فإذا سخَنَ انقدحَ منه نارٌ باستحالةِ بعض تلك الأجزاء نارًا، وما كان هناك قبلَ هذا نارٌ، بل سبحانَه يُحدِثُ النارَ عند باقية بعينها، وهي جوهر يقوم بها الصورة كما يقوله من يقول ذلك من المتفلسفة، فقوله خطأ، بل المادة استحالتْ فخُلِقَ منها شيءٌ آخر، والأولى هلكتْ وأعدمَها الله على هذا الوجه، كما أوجدَ ما خلقَ منها على هذا الوجه. وقد بُسِط الكلام على هذا في موضع آخر.
والمقصود الكلامُ على اسمه "القَيُّوم"، والتنبيهُ على بعضِ ما دلَّ عليه من المعارف والعلوم، فهو سبحانَه قَيُّومُ السماوات والأرض، لو أخذَتْه سِنَةٌ أو نومٌ لهلكتِ السماوات والأرض. والمخلوقُ ليس له من نفسِه شيء، بل الربُّ أبدعَ ذاتَه، فلا قِوَامَ لذاتِه بدون الربِّ، والمخلوق بذاتِه فقيرٌ إلى خالقِه، كما أن الخالقَ بذاتِه غنيٌّ عن المخلوق، فهو الأجَل الصَّمَدُ، والمخلوقُ لا يكون إلاّ فقيرا إليه، والخالقُ لا يكون إلاّ غنيّا عن المخلوق، وغِناهُ من لوازم ذاتِه، كما أن فَقْرَ المخلوقِ إلى خالقه من لوازم ذاتِه. وهذا المعنىَ مما يتعلق بقول الله:(اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢)) تعلُّقًا قويًّا.
والناسُ يشهدون إحداثه لمخلوقاتٍ كثيرة وإفناءَه لمخلوقاتٍ كثيرة، وهو سبحانَه يُحدِثُ ما يُحدِثُه من إرادةٍ يُحِيلُها ويُعدِمُها إلى شيء آخر، ويُفْنِي ما يُفنِيه بإحالتِه إلى شيء آخر، كما يُفنِي الميتَ بأن يَصِيرَ ترابًا.
وعلى هذا تترتبُ مسائل المعاد، فإن الكلام على النشأةِ الثانية فرعٌ عن النشأةِ الأولى، فمن لم يتصور الأولى فكيف يَعلم الثانية؟