للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي يُمَاسُّ هذا الجانب فقد التقَى الجوهران، وإن كان غيره فقد ثبت الانقسام.

وأيضًا فنحنُ نشاهد الهواءَ يستحيل ماءً إذا وُضِعَ في الزجاج، ونحوه ثلج صار عليه ماء يَقطُر، ومعلومٌ أن الثلجَ لم يَثْقُب الزُّجاجَ، بل الهواء الذي أحاطَ به بَردَ فاستحالَ ماءً، كما يُحِيلُ الله سحابًا وماءً. هذا مشهود، يكون الإنسانُ على حَيْدٍ، فيَرى البُخَارَ قد صَعِدَ من البحار فانعقَد سحابًا، وينظر تحته وهو أعلى منه في الشمس على رَأس الجبل. وكذلك الهواءُ يستحيلُ نارًا، فإذا قرّبَ ذُبَالةَ المصباحِ إلى النار أوقدَ، مع أنه لم يخرج من تلك النار شيء، ولكن الهواء المحيط بالذُّبالةِ استحالَ نارًا لمّا سَخُنَ سُخونةً شديدةً. فالهواء يَبْرُدُ فيستحيلُ ماءً، ويَسْخُنُ فيستحيل نارًا.

وكذلك ما يَقْدحُ النار، قال تعالى: (فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (٢)) (١)، وقال: (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١)) (٢) الآيات، وقال تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠)) (٣). والعرب يقولون: "في كلّ شجرٍ نار، واستَمْجَدَ المَرْخُ والعَفَارُ" (٤)، يأخذون عُودَينِ أخضرين يَحُكُّون أحدَهما بالآخر حتى يَسْخُن، فإن الحركة


(١) سورة العاديات: ٢.
(٢) سورة الواقعة: ٧١.
(٣) سورة يس: ٨٠.
(٤) انظر أمثال أبي عبيد (ص ١٣٦) و"جمهرة الأمثال" (١/ ١٧٣) و"فصل المقال" (ص ١٧١) وغيرها من كتب الأمثال.