للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاستحسان المخالفِ للقياسِ وغيرِه.

ثمّ هذه العلَّة إن كانتْ مستنبَطةً وخُصتْ بنصٍّ، ولم يُبيَنِ الفرقُ المعنويُ بين صورةِ التخصيصِ وغيرِها فهذا أضعفُ ما يكونُ. وهذا هو الذي كان يُنكِرُه كثيراً الشافعيُّ وأحمدُ وغيرُهما على من يفعلُه من أصحاب أبي حنيفةَ وغيرهم. وكلامُ أحمدَ فيما تقدَّمَ أرادَ به هذا، فإنَّ العلّةَ المبيّنةَ لم تُعْلَمْ صِحَّتُها إلاّ بالرأي، فإذا عارضَها النصُّ كان مُبطِلاً لها. والنصُّ إذا عارض العلَّة دلَّ علَى فسادِها، كما أنه إذا عارضَ الحكمَ الثابتَ بالقياس دلَّ على فسادِه بالإجماع.

وأما إذا كانت العلَّة منصوصةً، وقد جاء نص بتخصيصِ بعض صُوَرِ العلَّة، فهذا ممّا لا يُنكِرُه أحمد، بل ولا الشافعي وغيرُهما، كما إذا جاء نصّ في صورةٍ ونصٌّ يُخالِفُه في صورةٍ أخرى، لكنْ بينَهما شَبَه لم يَقُمْ دليل على أنه مَنَاطُ الحكم فهؤلاء يُقِرُّوْنَ النصوصَ، ولا يَقِيْسُوْنَ منصوصاً على منصوصٍ يُخالِفُ حكْمَه، بل هذا من جنس الذين قالوا: (إنَمَا اَلْبَيع مِثلُ الرِّبَا) (١). وهذا هو الذي قال أحمد فيه: "أنا أذهب إلى كل حديث كما جاء، ولا أَقِيسُ عليه "، أي لا أَقِيْسُ عليه صورةَ الحديث الآخر، فأجعلُ الأحاديثَ متناقضة، وأدفعَ بعضَها ببعضٍ، بل أستعملُها كلَّها./

والذين يدفعون بعضَ النصوصِ ببعضٍ يقولون: الصورتان سواء لا فرقَ بينهما، فيكون أحدُ النصَّينِ ناسخاً للآخر. ومثل هذا


(١) سورة البقرة: ٢٧٥.