للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما يَمرُقُ السَّهمُ من الرَّمِيَّةِ، أينما لَقِيْتمُوهم فاقتلوهم، فإنَّ في قَتْلِهم أجرًا عند الله لمن قَتَلَهم يومَ القيامةِ"، وقال (١): "يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق" ورُوِيَ (٢): "أَولَى الطائفتينِ بالحق" من معاوية وأصحابه- أعلَمَ أن قتالَ الخوارج المارقةِ أهلِ النهروان الذين قاتلَهم علي بن أبي طالب، كان قتالُهم مما أمر الله به ورسولُه، وكان عليّ محمودًا مأجورًا مُثَابًا على قِتالِه إيّاهم. وقد اتفق الصحابة والأئمةُ على قتالِهم، بخلاف قتالِ الفتنة، فإن النصَّ قد دلَّ على أنَ تركَ القتالِ فيها كان أفضلَ، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:" ستكونُ فتنة القاعدُ فيها خير من الماشي، والماشي خير من الساعي " (٣) ومثل قوله لمحمد بن مسلمة: "هذا لا تَضُرُّه الفتنةُ" (٤)، فاعتزلَ محمد بن مسلمةَ الفتنةَ، وهو من خيار الأنصار، فلم يُقاتِل لا مع هؤلاءِ ولا مع هؤلاء. وكذلك أكثر السابقين لم يُقاتِلوا، بل مثل سعد بن أبي وقّاص ومثل أسامة وزيد وعبد الله بن عمر وعمران بن الحصين، ولم يكن في العسكرينِ بعد عليٍّ أفضلُ من سعد بن أبي وقاص ولم يقاتل، وزيد بن ثابت، ولا أبو هريرة ولا أبو بكرة ولا غيرهما من أعيانِ الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأهْبانَ بن صَيْفِي: "خُذْ هذا السيفَ فقاتِلْ به المشركين، فإذا اقتتلَ المسلمون فاكسِرْه"، ففعلَ ذلك ولم يُقاتِلْ في الفتنة (٥).


(١) أخرجه مسلم (١٠٦٥/ ١٤٩) عن أبي سعيد الخدري.
(٢) أخرجه مسلم (١٠٦٥/ ١٥٢) عن أبي سعيد.
(٣) أخرجه البخاري (٣٦٠١) ومسلم (٢٨٨٦) من حديث أبي هريرة.
(٤) أخرجه أبو داود (٤٦٦٣) من حديث حذيفة بن اليمان.
(٥) أخرجه أحمد (٥/ ٦٩، ٦/ ٣٩٣) والترمذي (٢٢٠٣) وابن ماجه (٣٩٦٠) =