للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما أولو العزم الذين أمر الله نبيّه أن يتأسَّى بهم ولا يتشبَّه بذي النون، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - إذا أوذي يقول: «قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر» (١).

وأهل المصائب إنما يكونون صابرين إذا صبروا عند الصدمة الأولى، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى» (٢). وإلا فمن لم يصبْر صبرَ الكرام سَلَا سُلُوَّ البهائم. والعاقل يفعل في أول يومٍ ما يفعله الأحمق بعد ثلاثة أيام.

فالإنسان إذا أوذي على إيمانِه وأمْرِه بالمعروف ونهْيِه عن المنكر وتبليغ رسالات الله وإظهارِ دينِ الله، وذمِّ مَنْ يخالف دينَ اللهِ، كما أوذي الرسلُ وأتباعُهم، كان صبره من القسم الأعلى، مثل صبر الرسل وصبر المهاجرين والأنصار. وكثيرٌ من الناس إذا أوذي على الحق تركه، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت: ١٠]، وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (١١) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (١٢) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} [الحج: ١١ - ١٣].


(١) أخرجه البخاري (٤٣٣٦) ومسلم (١٠٦٢) عن عبد الله بن مسعود.
(٢) أخرجه البخاري (١٣٠٢) ومسلم (٦٢٦) عن أنس بن مالك.