للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العبادات الطواف والاعتكاف والصلاة هي مشروعة لجميع الناس، لا يَختصُّ شيء من ذلك بالحج والعمرة، بل الاعتكاف مشروع بغير إحرام، وكذلك الصلاة، وكذلك الطواف. لكن الطواف هو ركن في الحج والعمرة، بخلاف الاعتكاف، لقوله تعالى: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩)) (١).

وأما الطواف بالصفا والمروة فيختصُّ بالحج والعمرة، لا يُشرَعُ منفردًا، بل ولا يُشرَع إلاّ بعدَ الطواف بالبيت، ولهذا يجيء في الحديث: "طافَ بالبيت وبين الصفا والمروة" (٢). قال تعالى: (*إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) (٣)، لم يُشرَع ذلك مطلقًا كما شُرِع الطواف والاعتكاف والصلاة، وقد ثبتَ في الصحيح (٤): أن ناسًا كانوا يظنونَ أن الصفا والمروة ليس من شعائر الله، بل ظنُّوا ذلك من أعمال الجاهلية، وآخرون كانوا لا يطوفون بهما في الجاهلية. فلما جاء الإسلامُ سألوا عن ذلك، فأنزلَ اللهُ هذه الآية، يُبيِّنُ أن الصفا والمروة من شعائرِه، وقد شَرَعَ لعبادِه الطوافَ بهما، فلا جُناحَ في ذلك على من حجَّ أو اعتمر، وأزالَ بذلك ما كان قد حَصَلَ من الشك والظن. وهذا كما يسألُ الرجلُ عن عبادةٍ مأمورٍ بها، فيظنُّ أنها منهيّ عنها، فيقالُ له: لا بأس بذلك، وإن كان ذلك مشروعًا مستحبا.

ولم يكن حين نزولِ هذه الآية قد أوجب الله الحج، بل بيَّن أن


(١) سورة الحج: ٢٩.
(٢) انظر مثلًا عند البخاري (١٥٤٥) عن ابن عباس، و (١٧٠٨) عن ابن عمر، و (١٧٦٢) عن عائشة.
(٣) سورة البقرة: ١٥٨.
(٤) البخاري (١٦٤٣) ومسلم (١٢٧٧) عن عائشة.