للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك مشروع بقوله: إنهما (مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ)، وبقوله: (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (١٥٨)) (١). فهذا وهذا يبيّن أن ذلك عمل صالح، وأن قوله "فلا جناح" لنفي الشبهة التي وقعت لهم في ذلك، وأنَ قوله "لا جناح عليه" أي لا جناح في التقرب بالطوافِ واتخاذِه عبادةً، فإنّ أحدًا لا يطوف بهما إلاّ على وجه التعبُّد، ليس ذلك كالسفر الذي يُفعَل على وجهِ العبادة وغيرِ وجهِ العبادة. فلما قال تعالى (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) وهو لا يفعل إلاّ عبادةً، كان المعنى: لا جُناحَ [على] من عبد الله بهما، فيدلُّ ذلك على أنّ الطواف بهما عبادةٌ لله.

وهذا متفق عليه بين المسلمين، لكن تنازعوا: هل ذلك ركن؟

كما يقوله مالك والشافعي، أو واجبٌ يَجْبُره دم؟ أم لا شيءَ في تركهما؟ كما يقوله طائفة من السلف، وهي ثلاث روايات عن أحمد (٢). وأقوى الأقوال أنه واجب يَجبُره دمٌ.

وهذا كما يقول: تُقامُ الجمعة في القرى، وبدون إذن الإمام، وإن كان ذلك واجبًا، لما في ذلك من الشبهةِ. وكما يجوز الجمع بين الصلاتين بعرفةَ ومزدلفةَ، وإن كان ذلك هو السنة. وكما يجوز إشعارُ الهَدْي، وإن كان ذلك هو السنة. وكما يقول: يجوز قضاء الفوائتِ في أوقات النهي، وإن كان ذلك واجبًا، لأنَّ قضاءَها على الفور. وكما يجوز قَصْرُ الصلاةِ في السفر وإن كان آمنًا، وهذا هو السنة، بل هو واجب في أحدِ قولَي العلماء. ونظائر ذلك كثيرة.

والمقصود هنا أن الطواف بالصفا والمروة مما لا يكون إلاّ في


(١) سورة البقرة: ١٥٨.
(٢) انظر "المغني" (٥/ ٢٣٨ - ٢٣٩).