للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محرَّم. وما لم يكن خيرًا فهو مأمور بالصمت عنه، فإنه عليه لا له، كما قد بُسِط هذا في مواضع (١).

وفي الحديث المرفوع: "لا تحلفوا إلاّ بالله، ولا تحلفوا إلاّ وأنتم صادقون" (٢). وهذا مبسوط في موضعه.

وعامة السلف والخلف على أن المراد بالآية المعنى الأول، وهو أن لا يجعل الحلف بالله مانعًا من فعلِ ما أمر الله به، فإن هذا حرام لا يجوز، لم يبح الله أن يجعل الحلف به مانعًا من فعل ما أمر به، بل ما أمر به هو يحبّه ويرضاه، وهو واجب أو مستحب، والحلفُ به على تركِ ذلك يمين ليست بواجبة ولا مستحبة، فلا يجوز أن يجعل ماليس بطاعةٍ لله مانعًا من طاعة الله. والله تعالى لما أنزل الكفارة جعلَ الكفارة تحلَّةَ اليمين، كما ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "من حلف على يمينٍ فرأى غيرَها خيرًا منها فليأتِ الذي هو خير، وليكفر عن يمينه" (٣).

وأما قبل إنزاله الكفارة فآيات البقرة ليس فيها كفارة، فقيل: كان يجوز الحنث بلا كفارة، لكن هذا لم يثبت. وقيل: بل كان منهيًّا عن الحلف، ثم إذا حلف كان عاصيًا قد ورَّطَ نفسَه بين ذَنْبَين، والحنث منهيٌّ عنه، وجَعْلُ اليمين مانعةً من الخيرِ منهيٌّ عنه. ثم إن الله تعالى شرعَ الكفارة، فصار الحالفُ قادرًا على التكفير.

وهذه العبارة التي ذكرها أبو الفرج من أن معناها النهي، عن الحلف


(١) انظر "مجموع الفتاوى" (٢٥/ ٢٩٢ - ٢٩٤، ٧/ ٤٩،٢٢/ ٣١٥).
(٢) أخرجه أبو داود (٣٢٤٨) والنسائي (٧/ ٥) من حديث أبي هريرة، وهو صحيح.
(٣) أخرجه مسلم (١٦٥٠) من حديث أبي هريرة.