يكن رآها، وهذا باطل. والمتكلم لم يَقصِد ذلك، ولكن بتعمُّقِه في العبارات وخروجِه عن ألفاظ القرآن والسنة يقع في هذه المزالق.
وأما قوله "كانت بأسْرِها منكشفةً في حقيقة العلم شاهدًا لها"، فهنا كلامان:
أحدهما: أن هذا يقتضي أنه كان يرى المعدوماتِ قبل وجودِها. وهذه مسألةٌ قد تنازع فيها المسلمون، فأما العلم بها قبل وجودِها فهو حقّ، لم يخالف به إلاّ شرذمة كفَّرهم الأئمة كالشافعي وأحمد. وأما سَمْعُ المعدوم ورؤية المعدوم فذهب أكثر العلماء والمتكلمين من أصحاب الشافعي وأحمد والأشعرية والمعتزلة إلى امتناع ذلك؟ وذهب طائفة منهم من السالمية وغيرهم إلى جواز ذلك. وهذا قريب، ليس هذا مما يُخاطَب فيه هؤلاء الاتحادية، فإنّ هؤلاء لو قالوا بقول المعتزلة أو اليهود أو النصارى كان خيرًا من قولهم، وأما قولهم فلم يظهر في الإسلام إلاّ مع ظهور دولة التتار. لكن كان حقّ القائل أن يذكر حجة تَدُكُ على أن المعدومات مشهورة مرتبة، فإن موارد النزاع إذا لم يكن فيها حجة كانت دعوى مجرَّدة.
الكلام الثاني: أن يُعلَم أن قولنا "كان يعلم الأشياء قبل كونها" ليس في ذلك إثبات لكون المعدومِ شيئًا في نفسه، فإن مذهب جماهير المسلمين وجماهير العقلاء أن الشيء قبل وجودِه ليس بشيء أصلاً، وأنه وإن كان معلومًا لله فالعلمُ بالشيء لا يقتضي أن يكون موجودًا ولا ثابتًا، إلاّ أن يُقَيَّد فيقال: موجود في العلم وثابت