للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه من الذِّكْر والشهود، ولكن ليس له تمييز بين نفسه وغيره، بل قد لا يبقى له تمييزٌ بين نفسه ومعبوده، فإذا لم يبق له تمييز بين هذا وهذا فقد يظن أنه هو هو، كما يحكون أن رجلًا كان يُحِبّ آخرَ، فألقى المحبوبُ نفسَه في اليمّ، فألقى المحبُّ نفسَه خلفه، فقال: أنا وقعت، فما الذي أوقعك؟ قال: غِبْتُ بك عنِّي، فظننت أنّك أنّي (١).

وهذا إذا عاد إليه عقلُه يعلم أنه كان غالطًا في ذلك، وأن الحقائق متميِّزة (٢) في ذاتها، فالربُّ ربٌّ، والعبد عبدٌ، والخالق بائن عن المخلوقات، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته.

ولكن في حال السُّكْرِ والفناء والاصطلام لم يكن له شعور بسوى الحقِّ عن تمييز ذلك السّوى أنه عبد أو مخلوق.

وفي مثل هذا ما يُحْكَى عن أبي يزيد أنه كان يقول: "سبحاني"، أو: "ما في الجُبَّة إلا الله". وأمثال ذلك من الكلمات التي هي في (٣) نفسها كفر، ولو قالها وعقلُه معه كان كافرًا، ولكن مع سقوط التمييز يبقى


(١) ذكر المصنف هذه الحكاية في عدد من كتبه، انظر "المنهاج": (٥/ ٣٥٦)، و"الجواب الصحيح": (٣/ ٣٣٨)، و"الرد على الشاذلي": (ص ١٠٣).
(٢) الأصل: "بتميزه".
(٣) الأصل: "من" والصواب ما أثبت.