للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قبرِه أو قبرِ غيرِه، امتثالًا لأمرِه متابعة لشريعتِه، فإن من مبدأ عبادة الأوثان: العكوف على قبور الأنبياء والصالحين والعكوف على تماثيلهم، وإن كانت وقعت بغير ذلك.

وقد ذكر الله في كتابه عن المشركين أنهم قالوا (لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (٢٣ وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا)) (١). وقد روى طائفة من علماءِ السلف أن هؤلاء كانوا قومًا صالحين، فلمّا ماتوا عكفوا على قبورهم، ثمَّ صوَّروا تماثيلَهم (٢). وكذلك قال ابن عباس في قوله (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠)) (٣)، قال ابن عباس: كان اللات رجلًا يَلُتُّ السويقَ للحجاج، فلما ماتَ عكفوا على قبرِه (٤).

ولهذا قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبَد" (٥)، ونهى أن يُصلَّى عند قبره. ولهذا لما بنى المسلمون حُجرتَه حرَّفوا مؤخرها وسئموه، لئلا يُصلَّى إليه، فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تجلسوا على القبور ولا تُصلُّوا إليها"، رواه مسلم (٦).

وكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا خرجَ إلى أهل البقيع يُسلِّم عليهم ويدعو لهم (٧)،


(١) سورة نوح: ٢٣ - ٢٤.
(٢) انظر صحيح البخاري (٤٩٢٠) وتفسير الطبري (٢٩/ ٦٢) وابن كثير (٤/ ٤٥٤، ٤٥٥).
(٣) سورة النجم: ١٩ - ٢٠.
(٤) انظر صحيح البخاري (٤٨٥٩) وتفسير الطبري (٢٧/ ٣٥) وابن كثير (٤/ ٢٧١).
(٥) أخرجه أحمد (٢/ ٢٤٦) والحميدي (١٠٢٥) عن أبي هريرة.
(٦) برقم (٩٧٢) عن أبي مرثد الغنوي.
(٧) أخرجه أحمد (٦/ ٢٥٢) عن عائشة، وأخرجه مسلم (٩٧٤) من طريق آخر عن عائشة مطولًا.