على حفظها، ومن جهة أن تمكينها من اختيار هذا تارةً وهذا تارةً يُخِلُّ بكمالِ حفظها، وهو ذريعة إلى ظهورها ومرورِها، فكان الأصلح لها أن تُجعَلَ عند أحد الأبوين مطلقًا، ولا تُمكَّنَ من التخيير، كما قال ذلك جمهور علماء المسلمين مالك وأبو حنيفة وأحمد وغيرهم.
وليس في تخييرها نصٌّ صريح ولا قياسٌ صحيح.
والفرق ظاهرٌ بين تخييرها وتخيير الابن، لاسيَّما والذكر محبوبٌ مرغوبٌ فيه، فلو اختار أحدَهما كانت محبةُ الآخر له تدعوه إلى مراعاته. والبنتُ مزهودٌ فيها، فأحدُ الوالدين قد يَزهَد فيها مع رغبتها فيه، فكيف مع زهدِها فيه؟ فالأصلح لها لزومُ أحدِهما لا التردُّد بينهما.
ثمَّ هنا يحصل الاجتهاد في تعيين أحدهما. فمن عيَّن الأم -كمالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين- لابدّ أن يُراعوا مع ذلك صيانةَ الأمّ لها، ولهذا قالوا ما ذكره مالك والليث وغيرهما: إذا لم تكن الأم في موضع حرزٍ وتحصينٍ أو كانت غيرَ مرضيَّةٍ فللأب أخذها منها. وهذا هو الذي راعاه أحمد في الرواية التي اشتهرت عند أصحابه، حتى لم يذكر أكثرهم في ذلك نزاعًا، وقد علَّلوا ذلك بحاجتها إلى الحفظ والتزويج، والأب أقوم لذلك من الأم، فإنه إذا كان لابدّ من رعاية حفظها وصيانتها، وأن للأب أن ينتزعها من الأم إذا لم تكن حافظةً لها بلا ريب، فالأب أقدر على حفظها وصيانتها من الأم، وهي مميزة لا تحتاج في بدنها إلى أحد. والأب له من الهيبة والحرمة ما ليس للأم.
وأحمد وأصحابُه إنما يقدمون الأب إذا لم يكن عليها في ذلك ضررٌ، فلو قُدِّر أن الأب عاجز عن حفظها وصيانتها، أو يُهمل حفظها لاشتغالِه عنها أو لقلَّة دينه، والأمُّ قائمة بحفظها وصيانتها، فإنه تُقدَّم الأمّ في هذه الحال.