قالوا: ربَّنا! من يُطِيْق حملَ عَرْشِك وعليك عظمتك؟ فقال: قولوا: لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، فبذلك أطاقوا حملَ العرش.
والله سبحانه قد جَعَلَ الأعلى من المخلوقاتِ مستغنيًا عن الأسفل، فالسماوات فوق الأرض وليست محتاجةً إلى الأرض ولا مفتقرة إلى أن تحملها، فالخالق العليُّ الأعلى كيف يَفتقر إلى العرشِ أو حَمَلَتِه فوقَ العرشِ أو إلى غيرِه من المخلوقاتِ؟ فلو كان مُحايثًا لخلقِه لكان وجودُه مشروطًا بوجود ذلك المحايث، بل كانت ذاتُه مفتقرةً إلى محايثٍ، سواء كان محايَثته من جنس محايثةِ العَرَض للعرض أو جنس محايثة العرض للجسم، أو من جنس ما يدَّعيه من يقول بمحايثة الصورة الجوهرية للمادة الجوهرية. وهذا هو المعقول من المحايثات، ولهذا كان القائلون بحلوله في المخلوقات أو اتحادِه بها من الجهمية تَعُود مقالتُهم إلى مثل هذا، فآخِرَ أمرِهم يجعلونه مع المخلوقات كالمادة مع الصورة، أو كالعرض مع الجسم، حتى قالوا: وجودُه وجودُ المخلوقات، إذ قالوا: إن الماهيات ثابتة بدونه، كما يقوله ابن عَرَبي صاحب "الفصوص" الموافق للمعتزلة في قولهم: إن المعدوم شيء، فإما أن يجعلوا الوجود صفةً للإنسان أو قائمًا بنفسِه مع الأعيان. وكلام ابن سبعين يَرجع إلى هذا، فإنه كان متفلسفًا، فيجعله مع المخلوق بمنزلة المادة والصورة.
ومن جَعَلَه الوجودَ المطلقَ، والأعيان لها التعين، فإن جعل للأعيان ماهيات ثابتة في الخارج -كما يقوله من يقوله من المتفلسفة- فقد جَعَلُوه مشروطًا بتلك الماهيات، وهو معها إمَّا كالجوهر مع الجوهر أو كالجوهر مع العرض.
وإن لم يجعل للأعيان ماهيات ثابتة، فالمطلق لا يكون في