الخارج إلا عينَ المشخَّص، فافتقارُه إلى الأعيان المخلوقة أعظم وأعظم، بل على هذا التقدير ليس مغايرًا لها البتَّةَ. وقول التلمساني -وهو أَحْذَقهم في مقالتهم التي هي وحدة الوجود- يرجع إلى هذا.
وعلى كلّ وجهٍ يُفْرَض من وجوه المحايثات فإنه يكون مشروطًا بوجود المخلوقات، لا يتحقق ذاتُه بدون المخلوقات، وما كان كذلك لم يكن خالقًا للمخلوقات، بل ولا يجوز أن يكون علَّةً لها، فضلًا عن أن يكون خالقًا لها؛ لأن العلَّة متقدمة بالذات على المعلول، والمشروط بالشيء لا يكون متقدمًا عليه، إذْ وجودُ المشروط المستلزم لشرطِه قبل شرطه الملازم للإيجاب، فيمتنع أن يكون علَّة. بل ولا يكون واجبَ الوجود بنفسِه، لأن نفسه لا تستغني في وجودِها، بل لابُدَّ لتحقُّقها من ذلك الشرط اللازم لها المقرون بها، فيكون وجودُها مفتقرًا إلى وجود ذلك الشرط. ولأن محايثةَ القائم بنفسه محالٌ، وما يذكره المتفلسفة من محايثةِ الصورة للمادة هو بناءً منهم على أن تصوُّرَ الأجسامِ موادَّ هي جواهرُ قائمةٌ بنفسها. وهذا باطلٌ لا حقيقةَ له.
وكذلك من قال: إن الجواهر الموجودة ماهيّاتٌ قائمةٌ بأنفسها غيرُ الموجود المعروف، فقوله باطل بما يذكرونه من الماهياتِ الثابتةِ المغايرةِ للوجودِ المحسوسِ، ومن الموادِّ القائمةِ بنفسها المغايرةِ للجسمِ المحسوس، فهو حادث في الأذهان، لا حقيقةَ لها في الأعيان، سواءً قالوا باستغناء الموادِّ عن الصُّوَر واستغناء الماهيات عن وجودِها -كما يُذكَر عن أفلاطُن وشيعتِه-، أو قالوا بافتقار المادة إلى الصورة، والماهيات إلى الوجود -كما يقوله أرسطو وشيعته-. وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع.
فلم يبقَ إذًا محايثةُ العرض للجسم ومحايثة الصفة للموصوف،