للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا ممتنعٌ لوجهين:

أحدهما: أن الموجودات القائمة بأنفسها لا تُحايثُها الأعراض، والعرض مفتقرٌ إليها محتاجٌ إليها، والعرض يمتنعَ أن يكون هذا الفاعل المبدع العلَّة لمحالِّه أو غيرِ محالِّه، وهذا معلوم ببديهة العقل وضرورته، وأدلَّتُه كثيرة، فإن الأعراض ذواتُها مفتقر [ةٌ] إلى ذواتِ محالِّها، فلا تكون واجبة الوجود ودون محالِّها، والواجب مستغنٍ عمن دونه، فلو لم تكن واجبة الوجود امتنع أن تكون مُبدِعةً لها فاعلةً لها أو محالها.

الوجه الثاني: أن كلاًّ من المتحايثَين يمتنع وجودُه دون محايث، فإن العرض لا يوجد دون الجسم، والجسم أيضًا يمتنع خُلوُّه عن جميع الأعراض، فانه لابُدَّ له من شكلٍ، والأبدانُ تكون متحركًا أو ساكنًا. ومن ظنَّ جواز خُلوِّ الأجسام عن الأعراض (١)، وإذا كان كذلك فكلُّ محايثٍ لمخلوقٍ يمتنع وجودُه بدون وجود المخلوق، ويكون مشروطًا بوجود المخلوق، ومفتقرًا في وجودِه إلى وجود المخلوق، فيمتنع حينئذٍ أن يكون هذا المبدع الفاعل له، لوجوب تقدم المبدع مع امتناع تقدم المحايث، فيجب أن يكونا (٢) مفعولين لفاعلٍ ثالث، فيكون الخالق مخلوقًا والواجبُ ممكنًا، أو يكون كلٌّ منهما واجبَ الوجود بنفسه، فيمتنع جعلُ أحدِهما خالقًا والآخر مخلوقًا، فلا يكون من العالم شيء مخلوق ولا مُحدَث ولا ممكنٌ، وهذا خلاف الحسّ، فإنّا نشهد الحدوث والعَدَم يَعتقبانِ على ما شاء الله من


(١) كذا في الأصل دون ذكر جواب "مَن".
(٢) في الأصل: "يكون".