للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يصعد بالنفس ويرقَى بها، إذ كلا القولين يقال، وهذا إمّا على أن اللفظ المشترك يجوز أن يُراد به معنياه، أو على أن الكلمة نزلت مرتين، فأريد بها هذا المعنى في مرة، وهذا المعنى في مرة. مع أن الراقي الذي هو الطبيب أظهر، لقوله: {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ}، وهذا ذكرٌ لفاعل مخلوق واستفهامٌ عن راقٍ منكَّرٍ. وهذا ظاهر من حال أهل المريض، والملائكة معلومون لله، والله هو الذي يأمرهم بقبض الروح ويعين فاعل ذلك، فلا يكون هناك من يقول: هل من راقٍ؟ ولا اختصام في ذلك.

وذكر سبحانه الراقي دون الطبيب الذي يسقي الدواء ونحوه؛ لأن تعلق النفوس بالرُّقَى أعظم، ولهذا قال في صفة المتوكلين: «هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون» (١). والروح إذا بلغت التراقي قد يتعذر عليها الطعام والشراب، فلا يبقى إلا ما تتعلق به من الاسترقاء والدعاء ونحوه، وكان ذلك أعظم الأسباب.

قال تعالى: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ}، قال الوالبي (٢) في تفسيره عن ابن عباس في قوله: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} يقول: آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة، فتلتقي الشدة بالشدة إلّا من رحم الله.

وروى ابن المنذر من حديث سلمة بن سابور عن عطية عن ابن


(١) أخرجه البخاري (٥٧٠٥) ومسلم (٢٢٠) عن ابن عباس.
(٢) أخرجه من طريقه الطبري (٢٣/ ٥١٦). وعزاه السيوطي في الدر المنثور (١٥/ ١٣٦) إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم أيضًا.